فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{وَالشَّمْسِ وضحاها (1)}
أقسم الله تعالى بـ: {الشمس} إما على التنبيه منها وإما على تقدير ورب الشمس، و(الضُّحى) بضم الضاد والقصر: ارتفاع الضوء وكماله، وبهذا فسر مجاهد.
وقال قتادة: هو النهار كله، وقال مقاتل: {ضحاها} حرها كقوله تعالى في سورة (طه) {ولا تضحى} [طه: 119]، و(الضَّحاء) بفتح الضاد والمد ما فوق ذلك إلى الزوال، {والقمر} يتلو الشمس من أول الشهر إلى نصفه في الغروب تغرب هي ثم يغرب هو ويتلوها في النصف الآخر بنحو وآخر وهي أن تغرب هي فيطلع هو، وقال الحسن بن أبي الحسن: {تلاها} معناه: تبعها دأباً في كل وقت لأنه يستضيء منه فهو يتلوها لذلك.
قال القاضي أبو محمد: فهذا اتباع لا يختص بنسف أول من الشهر ولا بآخره، وقاله الفراء أيضاً، وقال الزجاج وغيره: {تلاها}: معناه امتلأ واستدار، فكان لها تابعاً في المنزلة والضياء والقدر، لأنه ليس في الكواكب شيء يتلو الشمس في هذا المعنى غير القمر، قال قتادة: وإنما ذلك ليلة البدر تغيب هي فيطلع هو.
{والنهار} ظاهر هذه السورة والتي بعدها أنه من طلوع الشمس، وكذلك قال الزجاج في كتاب (الأنواء) وغيره: واليوم من طلوع الفجر، ولا يختلف أن نهايتهما مغيب الشمس، والضمير في {جلاها} يحتمل أن يعود على {الشمس} ويحتمل أن يعود على الأرض أو على الظلمة وإن كان لم يجر له ذكر فالمعنى يقتضيه، قاله الزجاج. و(جلى) معناه كشف وضوى، والفاعل بجلَّى على هذا التأويلات {النهار}، ويحتمل أن يكون الفاعل الله تعالى كأنه قال: والنهار إذا جلى الله الشمس، فأقسم بالنهار في أكمل حالاته، ويغشى معناه: يغطي: والضمير للشمس على تجوز في المعنى أو للأرض، وقوله تعالى: {وما بناها} وكل ما بعده من نظائره في السورة، يحتمل أن يكون ما فيه بمعنى الذي قال أبو عبيدة: أي تعالى، ويحتمل أن تكون {ما} في جميع ذلك مصدرية، قال قتادة والمبرد والزجاج كأنه قال والسماء وبنيانها، و(طحا) بمعنى (دحا) و(طحا) أيضاً في اللغة بمعنى ذهب كل مذهب، ومنه قول علقمة بن عبدة: الطويل:
طحا بك قلب في الحسان وطروب ** بعيد الشباب عمر حان مشيب

والنفس التي أقسم بها، اسم الجنس، وتسويتها إكمال عقلها ونظرها، ولذلك ربط الكلام بقوله تعالى: {فألهمها} الآية، فالفاء تعطي أن التسوية هي هذا الإلهام، ومعنى قوله تعالى: {فجورها وتقواها} أي عرفها طرق ذلك وجعل لها قوة يصح معها اكتساب الفجور أو اكتساب التقوى، وجواب القسم في قوله: {قد أفلح}، التقدير: لقد أفلح، والفاعل بـ: (زكى) يحتمل أن يكون الله تعالى، وقاله ابن عباس وغيره كأنه قال: قد أفلحت الفرقة أو الطائفة التي زكاها الله تعالى، و{من}: تقع على جمع وإفراد، ويحتمل أن يكون الفاعل بـ: (زكى) الإنسان، وعليه تقع {من} وقاله الحسن وغيره، كأنه قال: {قد أفلح} من زكى نفسه أي اكتسب الزكاء الذي قد خلقه الله، و{زكاها} معناه: طهرها ونماها بالخيرات، و{دساها} معناه: أخفاها وحقرها أي وصغر قدرها بالمعاصي والبخل بما يجب، يقال دسا يدسو ودسّى بشد السين يدسي وأصله دسس، ومنه قول الشاعر: الطويل:
ودسست عمراً في التراب فأصبحت ** حلائله يبكين للفقد ضعفا

ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية قال: «اللهم آت نفسي تقواها وزكّها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها» هذا الحديث يقوي أن المزكي هو الله تعالى، وقال ثعلب معنى الآية {وقد خاب من دساها} في أهل الخير بالرياء وليس منهم في حقيقته، ولما ذكر تعالى خيبة من دسى نفسه، ذكر فرقة فعلت ذلك يعتبر بهم وينتهى عن مثل فعلهم، و(الطغوى) مصدر.
وقرأ الحسن وحماد بن سليمان {بطغواها} بضم الطاء مصدر كالعقبى والرجعى، وقال ابن عباس: (الطغوى) هنا العذاب كذبوا به حتى نزل بهم، ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى: {فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية} [الحاقة: 5]، وقال جمهور المتأولين الباء سببية، والمعنى كذبت ثمود بنبيها بسبب طغيانها وكفرها، و{انبعث} عبارة عن خروجه إلى عقر الناقة بنشاط وحرص و{أشقاها} هو قد أربى سالف وهو أحد التسعة الرهط المفسدين، ويحتمل أن يقع {أشقاها} على جماعة حاولت العقر، ويروى أنه لم يفعل فعله بالناقة حتى مالأه عليه جميع الحي، فلذلك قال تعالى: {فعقروها} لكونهم متفقين على ذلك ورسول الله صالح عليه السلام، وقوله تعالى: {ناقة الله وسقياها} نصب بفعل مضمر تقديره احفظوا أو ذروا أو احذروا على معنى: احذروا الإخلال بحق ذلك، وقد تقدم أمر الناقة والسقيا في غير هذه السورة بما أغنى عن إعادتها، وقدم تعالى التكذيب على العقر لأنه كان سبب العقر، ويروى أنهم كانوا قد أسلموا قبل ذلك وتابعوا صالحاً مدة ثم كذبوا وعثروا، والجمهور من المفسرين على أنهم كانوا على كفرهم، {دمدم} معناه: أنزل العقاب مقلقاً لهم مكرراً ذلك وهي الدمدمة، وفي بعض المصاحف {فدهدم} وهي قراءة ابن الزبير بالهاء بين الدالين، وفي بعضهم {فدمر}، وفي مصحف ابن مسعود {فدماها عليهم} وقوله تعالى: {بذنبهم} أي بسبب ذنبهم، وقوله تعالى: {فسواها}، معناه: فسوى القبيلة في الهلاك لم ينج منهم أحد.
وقرأ نافع وابن عامر والأعرج وأهل الحجاز وأبي بن كعب: {فلا يخاف} بالفاء وكذلك في مصاحف أهل المدينة والشام.
وقرأ الباقون {ولا} بالواو وكذلك في مصاحفهم، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه {ولم يخف عقباها}، والفاعل بـ: {يخاف} على قراءة من قرأ بالفاء يحتمل أن يكون الله تعالى، والمعنى فلا درك على الله في فعله بهم لا يسأل عما يفعل، وهذا قول ابن عباس والحسن، وفي هذا المعنى احتقار للقوم وتعفية لأثرهم، ويحتمل أن يكون صالحاً عليه السلام، أي لا يخاف عقبى هذه الفعلة بهم إذا كان قد أنذرهم وحذرهم، ومن قرأ: {ولا يخاف} بالواو فيحتمل الوجهين اللذين ذكرنا، ويحتمل أن يكون الفاعل بـ: {يخاف} {أشقاها} المنبعث، قاله الزجاج وأبو على، وهو قول السدي والضحاك ومقاتل، وتكون الواو واو الحال كأنه قال انبعث لعقرها وهو لا يخاف عقبى فعله لكفره وطغيانه، والعقبى: جزاء المسيء وخاتمته وما يجيء من الأمور بعقبه، واختلف القراء في ألفات هذه السورة والتي بعدها ففتحها ابن كثير وعاصم وابن عامر.
وقرأ الحسائي ذلك كله بالإضجاع.
وقرأ نافع ذلك كله بين الفتح والإمالة.
وقرأ حمزة {ضحاها} مكسورة و{تليها} و{ضحاها} مفتوحتين وكسر سائر ذلك، واختلف عن أبي عمرو فمرة كسر الجميع ومرة كقراءة نافع، قال الزجاج سمى الناس الإمالة كسراً وليس بكسر صحيح، والخليل وأبو عمرو يقولان إمالة. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{والشمس وضحاها}
أي ضوئِها إذَا أشرقتْ وقام سلطانُها، وقيل: الضَّحوةُ ارتفاعُ النهارِ والضُّحى فوقَ ذلكَ والضحاءُ بالفتحِ والمدِّ إذا امتدَّ النهارُ وكادَ ينتصفُ {والقمر إِذَا تلاها} بأنْ طلعَ بعد غروبِها وقيل: إذا تلا طلوعُه طلوعَها وقيلَ: إذا تلاها في الاستدارةِ وكمال النُّورِ {والنهار إِذَا جلاها} أي جَلَّى الشمسَ فإنها تتجلَّى عند انبساطِ النهارِ فكأنه جلاها مع أنَّها التي تبسطُه أو جلَّى الظلمةَ أو الدُّنيا أو الأرضَ وإن لم يجرِ لها ذِكْرٌ للعلمِ بَها {واليل إِذَا يغشاها} أي الشمسَ فيُغطِّي ضوءَها أو الآفاقَ أو الأرضَ وحيثُ كانت الواواتُ العاطفةُ نوائبَ للواو الأُولى القسميةِ القائمةِ مقامَ الفعلِ والباءُ سادَّةً مسدَّهما معاً في قولكَ أقسمُ بالله حققْن أن يعمَلن عملَ الفعلِ والجارّ جميعاً كما تقول ضرب زيد عَمراً وبكرٌ خالداً {والسماء وَمَا بناها} أيْ ومَنْ بناها وإيثارُ مَا على مَنْ لإرادةِ الوصفيةِ تفخيماً كأنَّه قيلَ: والقادرِ العظيمِ الشأنِ الذي بناها وجعلَها مصدريةً مخلٌّ بالنظمِ الكريمِ وكذا الكلامُ في قوله تعالَى: {والأرض وَمَا طحاها} أي بسطَها من كلِّ جانبٍ كدحَاهَا.
{وَنَفْسٍ وَمَا سواها} أي أنشأَها وأبدعَها مستعدةً لكمالاتِها والتنكيرُ للتفخيمِ على أنَّ المرادَ نفسُ آدمٍ عليه السلامُ أو للتكثيرِ وهو الأنسبُ للجوابِ {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وتقواها} أي أفهمَها إيَّاهُمَا وعرَّفَها حالَها من الحُسْنِ والقُبحِ وما تؤدي إليه كلٌّ منهُمَا ومكَّنها من اختيارِ أيِّهما شاءتْ وتقديمُ الفجورِ لمراعاةِ الفواصلِ {قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها} أيْ فازَ بكلِّ مطلوبٍ ونجَا من كلِّ مكروهٍ مَنْ أنماهَا وأعلاها بالتقوى وهو جوابُ القسمِ وحذفُ اللامِ لطولِ الكلامِ وتكريرُ قَدْ في قوله تعالَى: {وَقَدْ خَابَ مَن دساها} لإبرازِ كمالِ الاعتناءِ بتحقيقِ مضمونِه والإيذانِ بتعلقِ القسمِ بهِ أيضاً أصالةً أيْ خسرَ مَنْ نقصَها وأخفَاها بالفجورِ وأصلُ دَسَّى دَسَّسَ كتقضَّى وتَقْضَّضَ وقيلَ: هو كلامٌ تابعٌ لقوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وتقواها} بطريقِ الاستطرادِ وإنما الجوابُ ما حذفَ تعويلاً على دلالة قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بطغواها} عليه كأنَّه قيلَ: ليُدَمدِمنّ الله تعالى على كفارِ مكةَ لتكذيبِهم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كما دمدمَ على ثمودَ لتكذيبِهم صالحاً عليهِ السلامُ وهو على الأولِ استئنافٌ واردٌ لتقريرِ مضمونِ قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَن دساها} والطَّغوى بالفتحِ الطُّغيانُ والباءُ للسببيةِ أيْ فعلتِ التكذيبَ بسببِ طُغيانِها كما تقول ظلمنِي بجراءتِه على الله تعالى أو صلةٌ للتكذيبِ أيْ كذَّبتْ بمَا أُوعدتْ بهِ منَ العذابِ ذي الطَّغوى كقوله تعالَى: {فَأُهْلِكُواْ بالطاغية} وقُرِئ بطغواها بضم الطاء وهو أيضاً مصدرٌ كالرُّجعى {إِذِ انبعث أشقاها} منصوبٌ بكذبتْ أو بالطَّغوى أيْ حينَ قامَ أَشْقى ثمودٍ وهُو قُدارُ بنُ سالفٍ أو هُو ومَنْ تصدَّى معه لعقرِ الناقةِ من الأشقياءِ فإنَّ أفعلَ التفضيلِ إذا أضيفَ يصلُح للواحد والمتعددِ والمذكرِ والمؤنثِ وفضلُ شقاوتِهم على مَنْ عداهُم لمباشرتِهم العقَر معَ اشتراكِ الكلِّ في الرِّضا بهِ {فَقَالَ لَهُمُ} أي لثمودَ {رَسُولِ الله} أي صالحٌ عليه السلامُ عبرَ عنه بعنوانِ الرسالةِ إيذاناً بوجوبِ طاعتِه وبياناً لغايةِ عتوِّهم تمادِيهم في الطغيانِ وهو السرُّ في إضافةِ الناقةِ إلى الله تعالَى في قوله تعالَى: {نَاقَةُ الله} أي ذرُوا ناقةَ الله {وسقياها} ولا تذودُوها عنها في نوبتها.
{فَكَذَّبُوهُ} أي في وعيدِه بقوله تعالَى: {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقد جُوِّز أنْ يكونَ ضميرُ لهُم للأشقينِ ولا يلائمهُ ذكرُ سقياهَا.
{فَعَقَرُوهَا} أي الأشقى والجمعُ على تقديرِ وحدتِه لرِّضا الكلِّ بفعلِه وقال قَتَادةُ بلغنا أنَّه لم يعقرْها حتى تابعَه صغيرُهم وكبيرُهم وذكرُهم وأنثاهُم وقال الفرَّاءُ: عقرَها اثنانِ والعربُ تقول: هذانِ أفضلُ الناسِ {فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ} فأطبقَ عليهم العذابَ وهو من تكريرِ قولهم ناقةٌ مدمومةٌ إذا ألبسَها الشحمُ {بِذَنبِهِمْ} بسببِ ذنبِهم المحكيِّ والتصريحُ بذلكَ مع دلالةِ الفاءِ عليهِ للإنذارِ بعاقبةِ الذنبِ ليعتبرَ به كلُّ مذنبٍ {فسواها} أي الدمدمةَ بينهُم لم يفلتْ منهُم أحد من صغيرٍ وكبيرٍ أو فسوَّى ثمودَ بالأرضِ أو سواها في الهلاكِ {وَلاَ يَخَافُ عقباها} أي عاقبتَها وتبعتَها كما يخافُ سائرُ المعاقبينَ من الملوكِ فيبقِي بعضَ الإبقاءِ وذلك أنَّه تعالَى لا يفعلُ فعلاً إلى بحقَ وكلُّ من فعلَ فإنه بحقَ لا يخافُ عاقبةَ فعلِه وإنْ كانَ من شأنِه الخوفُ والواوُ للحالِ أو للاستئنافِ.
وقُرِئ {فَلاَ يخافُ} وقُرِئ {ولَمْ يخفْ}. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {والشمس وضحاها}
أقسم الله تعالى بالشمس، وضوئها حرها.
ويقال: بخالق الشمس وضحاها، يعني: ارتفاع النهار.
ويقال: حر الشمس يسمى ضحى.
قرأ ابن كثير، وابن عامر وعاصم {وضحاها} بالتفخيم، وكذلك {تلاها} إلى آخر السورة.
وقرأ حمزة والكسائي كلها بالإمالة.
وقرأ نافع، وأبو عمرو بين ذلك، ثم قال عز وجل: {والقمر إِذَا تلاها} يعني: يتبع الشمس والهاء، كناية عن الشمس.
وقال قتادة: والشمس هو النهار، و{القمر إِذَا تلاها} قال: يتلوها صبيحة الهلال، وإذا سقطت الشمس، رأيت الهلال عند سقوطها.
ثم قال عز وجل: {والنهار إِذَا جلاها} يعني: إذا أضاء واستنار، فقال القتبي: هذا من الاختصار {والنهار إِذَا جلاها} ويعني: والأرض أو الدنيا، يعني: النهار أذا أضاء الدنيا.
وقال الكلبي: معناه إذا جلى النهار ظلمة الليل.
ثم قال عز وجل: {والليل إِذَا يغشاها} يعني: غطى ضوء النهار، ويقال: {والليل إِذَا يغشاها} يعني: غطى الأرض وسترها.
ثم قال: {والسماء وَمَا بناها} يعني: خلقها.
ويقال: {السماء وَمَا بناها} يعني: الله تعالى بناها، فأقسم بنفسه، ويقال: ما للصلة، ومعناه والسماء وبنائها.
ثم قال عز وجل: {والأرض وَمَا طحاها} يعني: والذي بسطها على الماء من تحت الكعبة.
ثم قال: {وَنَفْسٍ وَمَا سواها} يعني: ونفس والذي سوى خلقها، ويقال: ونفس وما خلقها {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وتقواها} يعني: ألهمها الطاعة والمعصية، ويقال: عرفها، وبين لها ما تأتى وما تذر.
ثم قال عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زكاها} يعني: أصلحها الله، وعرفها وهذا جواب القسم لقد أفلح، ولكن اللام حذفت لثقلها، لأن الكلام طال.
ثم قال: {وَقَدْ خَابَ مَن دساها} يعني: خسر من أغفلها وأغواها، وخذلها وأضلها.
وقال القتبي: معناه قد أفلح من زكى نفسه، أي: أنماها وأعلاها، بالطاعة والبر والصدقة، {وقد خاب من دساها}، يعني: نقصها وأخفاها بترك عمل البر، وبركوب عمل المعاصي. وأصله دسس، فجعل مكان إحدى السينين ياء، كما يقال: قصيت أظفاري، وأصله قصصت.
قال وأصل هذا أن أجواد العرب، كانوا ينزلون في أرفع المواضع، ويوقدون من النار للطارقين، لتكون أنفسهم أشهر، واللئام ينزلون الأطراف والأهضام، لتخفي أماكنهم على الطارقين، فأخفوا أنفسهم.
والبار أيضاً أظهر نفسه بأعمال البر، والفاجر دساها.
ويقال: إن الله تعالى، يطلب من عباده المؤمنين يوم القيامة ستة أشياء بمكان النعمة، الشكر: وبمكان الشدة وبمكان الصحة العمل بالطاعة، وبمكان الذنوب التوبة، وبمكان العمل الإخلاص، فمن يجيء بهذه الأشياء، فقد أفلح ونما، ومن لم يجيء بهذه الأشياء، فقد خسر وغبن.
ثم قال عز وجل: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بطغواها} يعني: بطغيانهم، حملهم على ذلك التكذيب {إِذِ انبعث أشقاها} يعني: إذا قام أشقى ثمود، وكلهم أشقياء في علم الله تعالى، وأشقاهم عاقر الناقة، وهو قدار بن سالف، ومصدع بن دهر {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله} صلى الله عليه وسلم يعني: صالحاً {نَاقَةُ الله} يعني: احذروا ناقة الله {وسقياها} يعني: لا تأخذوا سقياها، ومعناه ولا تعقروا ناقة الله، وذروا شربها.
وقد ذكرناه في سورة الأعراف {فَكَذَّبُوهُ} يعني: صالحاً بالعذاب {فَعَقَرُوهَا} يعني: فعقروا الناقة، ويقال: في الآية تقديم فعقروها، فخوفهم صالح عليه السلام بالعذاب، فكذبوه.
ثم قال عز وجل: {فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ} يعني: أنزل عليهم ربهم عقوبة {بِذَنبِهِمْ} والدَّمْدَمة، المبالغة في العقوبة والنكال.
ثم قال: {فسواها} يعني: فسواها في الهلاك يعني: الصغير والكبير {وَلاَ يَخَافُ عقباها} قرأ نافع، وابن عامر فلا يخاف بالفاء، والباقون بالواو.
فمن قرأ بالفاء، وصل الذي بعدها بالذي قبلها، وهو قوله: {فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ} يعني: أطبق عليهم العذاب بذنبهم {فسواها} يعني: فسوى الأرض عليهم، ولا يخاف عقبى هلكهم، ولا يقدر أن يرجعوا إلى السلامة.
ومن قرأ بالواو، فمعناه التقديم والتأخير، يعني: الذي عقرها، وهو لا يخاف عقبى عقرها.
ويقال: إن الله تعالى أهلكهم، ولم يخف ثأرها وعاقبتها على غير وجه التقديم.
وروى الضحاك، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه: «أتَدْرِي مَنْ أشْقَى الأولين» قُلْتُ: الله وَرَسُولَهُ أَعْلَمُ. قال: «عَاقِرُ النَّاقَةِ» فقال: «أتَدْرِي مَنْ أَشْقَى الآخِرِينَ» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «قَاتِلُكَ».والله أعلم. اهـ.